RSS

Category Archives: أم كلثوم

الرياض تحيي ذكرى ميلاد محمد الموجي المئوية

أقيم حفل كبير في العاصمة السعودية الرياض مساء الخميس 4 مايو 2023 لإحياء ذكرى الميلاد المئوية للملحن الراحل محمد الموجي، بحضور ورعاية عدد من المسئولين السعوديين والشخصيات العامة، قدمت خلاله مجموعة من أشهر ألحانه التي غناها نجوم القرن العشرين مثل أم كلثوم وعبد الحليم وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة

قام بالغناء باقة من نجوم القرن 21 من مختلف الدول العربية مثل عبادي الجوهر، صابر الرباعي، ماجد المهندس، أنغام، شيرين، مي فاروق، وزينة عماد

صاحب العرض الفني أوركسترا ضخم بقيادة المايسترو وليد فايد، اشترك معه عازف البيانو المصري العالمي رمزي يسى، وأشرف على الفقرات الفنية الفنان يحيى الموجي نجل الفنان الراحل

يذكر أن من ألحان الموجي ما كتبه شعراء سعوديون مثل الأمير عبد الله الفيصل والأمير بدر بن عبد المحسن وغناها المطرب الراحل طلال مداح

ولد محمد الموجي في عام وفاة الموسيقار سيد درويش 1923، بمحافظة كفر الشيخ بمصر وبدأ حياته الفنية مطربا لكن الجمهور العريض لم يعرفه إلا كملحن. ورغم أنه سار على نهج التجديد والابتكار خاصة في ألحانه لعبد الحليم، إلا أن الصوت الذي حمله إلى النجومية كان أكثر الأصوات تقليدية، أم كلثوم

خصائص فنه

تفرد الموجي بخصائص مكنته من الوصول إلى درجة عالية من الكفاءة منها:

  •     طرق أساليب متطورة فى التلحين
  •     الاهتمام بدور الموسيقى إلى جانب الغناء
  •     اتباع المدرسة التعبيرية
  •     المزج بين الأساليب الشرقية والغربية
  •     الدقة في تنفيذ الألحان
  •     الإنتاج الغزيـر

من بين الألحان التي تم تقديمها جبار، يا مالكا قلبي، كامل الأوصاف، رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان لعبد الحليم، وأغنيتان لأم كلثوم هما اسأل روحك وللصبر حدود، وأغنيات أخرى لفايزة أحمد ونجاة الصغيرة

سبق إعادة تقديم ألحان الموجي في مناسبات عديدة في القاهرة وعدة مدن مصرية بواسطة فرق التراث، لكن الجديد في هذا الحفل أنه تم على أرض المملكة العربية السعودية وبرعايتها عبر هيئة جديدة هي هيئة الترفيه الرسمية برئاسة المستشار تركي آل الشيخ، التي لم يكن لها وجود قبل بضع سنوات

تخلل نشاط الهيئة في السنوات الأخيرة تقديم عروض لمطربين جدد ممن أطلق عليهم “مطربو المهرجانات” دلالة على نوع معين من الفن الشعبي انتشر في الآونة الأخيرة وليس له علاقة بالمهرجانات الفنية. اشتمل هذا النوع على مظاهر متباينة من التهريج وهبوط مستوى الكلمة واللحن والأداء، مما تسبب في إثارة جدل مجتمعي كبير وموجة من الرفض والاستهجان. وعلى الرغم من اكتسابه جمهورا خاصا إلا أنه لم يجذب غالبية الجمهور العربي الذي ما زال يعشق كلاسيكيات الموسيقى العربية ويعتبرها فنا محترما يستحق الاهتمام

في هذه الليلة فاجأت الهيئة الجمهور العربي بتقديم ما يحب ويهوى ويحترم من خلال ألحان الموجي القيمة، وأكملت الصورة بإشراك مطربين نجوم ذوي قدرات عالية وجماهيرية واسعة، وتكريس الإمكانيات التقنية والمادية اللازمة لإنجاح العرض فنيا وجماهيريا

ولهذا تجاوبت الجماهير العربية في كل مكان مع الاحتفالية وتابعوا أحداثها عبر الفضائيات والإنترنت وأشادوا بهذه الحركة الفنية الجديدة كما وجهوا الشكر لمن تولى رعايتها

ونحن بدورنا من هذا الموقع نوجه الشكر إلى كل من عمل على إحياء الفن الجيد وتكريم الفن والفنانين وتقوية الروابط بين الشعوب العربية التي تتمتع بنفس الحس والوجدان مهما اختلفت الأقطار  

وسبحان مغير الأحوال .. أتذكر الآن كيف كنت أخفي عودي وأضطر إلى حمله ملفوفا بسجادة أو بطانية إذا أردت التنقل به في إحدى مدن المملكة .. أيام لا تنسى 

روابط

محمد الموجي 1923 – 1995

 

أم كلثوم – الذكرى 47 سر مجد أم كلثوم

كوكب الشرق أم كلثوم

لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة يسعد الناس بشدوها ويأنسون لغنائها، وإنما خلف ذاك الصوت كانت هناك شخصية عظيمة رائدة. كان انتماؤها للثقافة العربية الأصيلة رايتها الأعلى وضمت القصائد التي غنتها كنوز الشعر العربي، القديم والحديث. إذا تغنت أم كلثوم بالشعر العربي أصبح على كل لسان بعد محبس طويل في الكتب والمكتبات وإذا اختارت فهي تختار الشعر وليس الشاعر، والفكر وليس الشكل. كانت تنقب وتنتقي أفضل المعاني وأرقى التعبيرات، وساعدها سلامة لغتها ومنطقها في تحويل الشعر المقروء إلى غناء مسموع، وبعد ما كان مقصورا على النخبة والمثقفين أصبح مسموعا لدى الملايين حتى الأميين

ظلت أم كلثوم تجرب في مختلف الدروب منذ أن احترفت الغناء عام 1924، وتنقلت بين الملحنين من صبري النجريدي والشيخ أبو العلا وداود حسني إلى محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي، حتى أنها جربت التلحين لنفسها. وتميزت في تلك الفترة ألحان القصبجي لأم كلثوم عن غيرها لما امتلكه هذا الفنان العبقري من موهبة موسيقية فذة

لكن في عام 1946 بدأت أم كلثوم طريقا مختلفا كان فاتحة مجدها الحقيقي. فقد قامت بغناء سلسلة قصائد من أعظم ما كتب أمير الشعراء أحمد شوقي هي ولد الهدى، سلوا قلبي، ونهج البردة. ثم أتبعتها برباعيات الخيام التي ترجمها الشاعر أحمد رامي عن الفارسية. وفي 1951 غنت أم كلثوم أيقونة القصائد الوطنية “مصر تتحدث عن نفسها” لشاعر النيل العظيم حافظ إبراهيم، وفي 1952 غنت “مصر التي في خاطري” لأحمد رامي. بهذه القصائد الخالدة ارتقت أم كلثوم إلى قمة الفن وأصبحت ملكته وتاجه

كان خلفها وبجانبها الموسيقار العظيم رياض السنباطي الذي ألهمت ألحانه الشرق كله وشكلت وجدان شعوبه واستقرت في القلوب قبل الأذهان وتحولت الكلمات على يديه إلى أنغام ومشاعر وآهات وإعجاب .. وكانت أم كلثوم تذوب في ألحانه حتى يبدو أنها هي من صنعها .. لكن هناك مفارقة هامة وهي أن أم كلثوم غنت عدة ألحان لرياض السنباطي خلال عشر سنوات قبل ذلك، ولم يصل أي منها إلى النجاح الذي حققته القصائد .. من هنا يظهر أن السر الحقيقي وراء هذا النجاح غير المسبوق كان الكلمات بالدرجة الأولى .. الشعر العربي فائق الجودة .. وهو نفس المنبع الذي ألهم الفنان تلك الألحان الخالدة

سار الاثنان على نفس الدرب طويلا حى وصلا إلى قمة جديدة في القصيدة الأسطورية “الأطلال” من شعر إبراهيم ناجي عام 1966 وبها انطلقت أم كلثوم إلى أعلى الآفاق

غنت أم كلثوم أيضا بعد ظهور السنباطي من ألحان فنانين آخرين مثل محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي .. لكن ظلت ألحان رياض السنباطي هي الأصل والنموذج في فن أم كلثوم

تملكت أم كلثوم من ساحة الغناء لكن مشوارها لم يخل من المنافسة القوية على عرش الفن، وكان أقرب الأصوات إلى منافستها هو صوت فتحية أحمد، الصوت الذي كان يخيف الجميع بقدرته وطلاقته، فهي قادرة تماما على غناء أقوى القصائد والأدوار وكل أشكال الغناء، خاصة الغناء الحر الذي تفوقت فيه على أم كلثوم

وعلى الجانب الآخر كان “قطار الشرق السريع” محمد عبد الوهاب يتربع على عرشين لا عرش واحد، الغناء والتلحين. لم يكن من السهل منافسة محمد عبد الوهاب رغم وجود الملحنين الكبار ورغم صوت أم كلثوم الصادح في كل مكان. لكن أم كلثوم أدارت المنافسة باقتدار شديد، وكان أهم خطواتها السير على طريق الشعر العربي الذي ارتاده عبد الوهاب ببراعة منذ أن بدا بأشعار شوقي في عشرينات القرن العشرين إلى أن قدم قصائده الكبرى في الأربعينات مثل الجندول، الكرنك، كليوباترا، وغيرها .. فعلى نفس الدرب سارت أم كلثوم باحثة عن الجودة، واستطاعت أن تشق طريقها إلى القمة بما قدمته من قصائد بفضل استقبال الجماهير الرائع لقصائد شوقي الراقية

ثم أسدل الستار على هذه المنافسة حين اجتمع الاثنان، أم كلثوم وعبد الوهاب في سلسلة ألحان بدأت بلحن “إنت عمري” وتخللها عدة قصائد مثل هذه ليلتي، على باب مصر، أغدا ألقاك، وأصبح عندي بندقية

هكذا نصل إلى أن قصائد الشعر العربي هي التي صنعت مجد أكبر اسمين في عالم الفن، أم كلثوم وعبد الوهاب، ليس لمجرد أنها شعر فصيح ولكن بأفكارها وتعبيراتها ومدلولاتها الفكرية والوجدانية، وهي عناصر يمكن أن تتوفر في شعر العامية أيضا، ولعل في ذلك رسالة واضحة إلى المحدثين والفنانين الجدد .. الغناء وحده لا يصنع فنا عظيما ..

روابط 

أم كلثوم – كوكب الشرق

 

صباح فخري 1933 – 2021

صباح فخري فنان كبير ومطرب من العيار الثقيل تمتع بصوت معبر وقدرات هائلة ساعدته في إتقان الغناء العربي الأصيل خاصة ألحان التراث.

صباح فخري

ينتمي صباح فخري إلى مدينة حلب شمال سوريا التي تنسب إليها “القدود الحلبية”، وهي ألحان تراثية ظلت تردد على مدى أجيال محتفظة بجمال ألحانها وثباتها رغم تغير الكلمات المصاحبة لها

لكنه لم يكتف بأداء القدود بل درس الموسيقى في معهد الموسيقى الشرقي بدمشق وتخرج منه عام 1948 ونشط منذ ذلك الوقت في حفظ التراث الفني، وسار في رحلة شاقة ينقب عن كنوز الموسيقى العربية الأصيلة ويقدمها في صورة بهية للجمهور االعربي في كل مكان. وكلف نفسه عناء البحث والتدرب مع فرقته الموسيقية لسنوات طويلة قدم خلالها أفضل كلاسيكيات الموسيقى العربية من القصائد والأدوار والموشحات وأعاد إليها رونقها الطربي ومزاجها العربي. وحين ذاع صيته قام برحلات إلى دول عديدة عربية وأجنبية قدم خلالها حفلاته ونال عدة جوائز تقديرا لفنه كما تقلد منصب نقيب الفنانين في سوريا

صباح فخري – دور إمتى الهوى (أم كلثوم) مقام هزام – ألحان زكريا أحمد

غنى صباح فخري ألحان محمد عثمان وعبده الحامولي من رواد القرن التاسع عشر كما غنى ألحان سيد درويش وزكريا أحمد من رواد القرن العشرين إلى جانب ألحان الفولكلور العربي من الطقاطيق والمواويل والقدود

لم يهتم صباح فخري كثيرا، كغيره من المطربين، بتقديم ألحان جديدة فقد كان يعشق الطرب وألحان الطرب وأصبحت ألحان التراث هي رسالته الأهم والأكبر، وبقي مخلصا لنهج مدينته حلب في الحفاظ على التراث وتقديمه للأجيال الجديدة

وبينما كان هم المطربين الآخرين إصدار “ألبومات” بكلمات جديدة وألحان حديثة، كانت إصدارات صباح فخري مطبوعة بطابع القديم أو “الشرقي الأصيل” الذي يتجذر في وجدان الجمهور العربي لتاريخ طويل، وكان دائما مادة حية لا تتقادم

وكانت حفلاته الغنائية تعد احتفالات أكثر منها حفلات، حيث مشاركة الجمهور واندماجه وإعجابه غير المحدود، مما جعل منها مناسبات جماهيرية حقيقية لإحياء التراث

من سمات صوته القوة والثبات والمساحة العريضة واهتم بالدقة في التفاصيل مثل أداء العُرب والحليات والقفلات الصعبة وإظهار الموازين. واحتفظ في حفلاته وتسجيلاته بتقليد قديم هام كان يتبعه المطربون القدامى وهو التمهيد للحن الأساسي بسلسلة من الألحان القصيرة والتقاسيم تشترك في المقام الموسيقي الهدف منها “تركيز المقام” أو يالتعبير الدارج الوصول بالمقام إلى درجة “السلطنة”

ومما يدل على خبرته ودراسته أنه كان يختار مقاما أساسيا للوصلة الغنائية، فيقدم ألحان برنامجه من نفس المقام دائما، وإن اختلف فإلى أقرب مقام له مع مراعاة العودة إلى المقام الأصلي .. هذه كلها تقاليد فنية قديمة اختفت مع الأيام بسيطرة “عصر السرعة” على كل شيء، لكن هذا المطرب القدير استطاع أن يحجز لها مكانا قريبا من الأسماع والنفوس في كل مناسبة

ولد الفنان الكبير الذي سوف يفتقده العالم العربي كثيرا في 2 مايو 1933 ورحل في 2 نوفمبر 2021، لكن فنه سوف يبقى .. معطرا بالطرب الجميل والذوق العربي الأصيل

روابط

دور إمتى الهوى – كلاسيكيات أم كلثوم – زكريا

دور إمتى الهوى – تحليل موسيقي

 

أم كلثوم – جددت حبك ليه

جددت حبك ليه – غناء أم كلثوم – مقام نهاوند 1952

كلمات أحمد رامي – ألحان رياض السنباطي

تحليل موسيقي / د.أسامة عفيفي

ملامح عامة

“جددت حبك ليه” ليست أغنية عادية، حتى قياسا على أعمال أم كلثوم، فهي عمل كبير ضم عناصر هامة مثل الموسيقى المميزة في المقدمة والفواصل وتنوع المقامات والإيقاعات والجمع بين التعبير والطرب في آن واحد. بالإضافة إلى هذه العناصر كرست الأغنية قالب الأغنية الحديثة الذي ساد بعد ذلك أعمال أم كلثوم واختفت القوالب الأقدم تقريبا من أعمالها ما عدا القصائد

ساهم لحن”جددت حبك ليه” في تشكيل ملامح مرحلة استقرار وثراء في الموسيقى العربية لنحو عقد من الزمان على الأقل شهد تربع أم كلثوم على قمة الغناء مع سلسلة غزيرة من ألحان رياض السنباطي وآخرين

وبينما كان لألحان رياض الريادة كما وكيفا بما أظهرته من جمال اللحن ودقة التعبير وسعة الخيال كانت ألحان غيره ميدانا للتقليد أكثر منها للمنافسة. فبدلا من تقديم أساليب جديدة ومختلفة اهتم كل ملحن بمحاولة إثبات أنه يستطيع تقديم ألحان في مستوى ألحان رياض السنباطي، وكان هذا الفخ الذي وقع فيه الجميع. باختصار نحن نتحدث عن ثلاثة ملحنين جدد ظهروا في مسيرة أم كلثوم في الفترة من أواسط الخمسينات حتى أواسط الستينات، وهم محمد الموجي، كمال الطويل، وبليغ حمدي

استمر رياض السنباطي يقدم ألحانه لأم كلثوم بنفس أسلوبه بينما لم ينج من ذلك الفخ إلا محمد عبد الوهاب الذي قدم بالفعل أسلوبا جديدا لألحان أم كلثوم في سلسلة بدأت عام 1964 مع أغنية “إنت عمري” الشهيرة. استغرق الأمر ثلاث سنوات للفكاك من أسر تأثير السنباطي، فقط للوقوع في فخ جديد هو تأثير عبد الوهاب. قدم الموجي أغنية واحدة بنفس الأسلوب التقليدي وانسحب كمال الطويل تماما من ساحة أم كلثوم بينما قرر بليغ حمدي أن يقدم ألحانه في ثوب جديد وحاول جاهدا تفادي تقليد عبد الوهاب والدخول معه في منافسة

والواقع أن موجة عبد الوهاب – أم كلثوم كانت من القوة بحيث أغرت السنباطي نفسه بدخول غمار المنافسة مع عبد الوهاب وبليغ، وشكل هذا الثلاثي محور التجديد في ألحان أم كلثوم لنحو عقد آخر. غلب التجديد في الموسيقى، خاصة المقدمات، على الموجة الجديدة لكن من العجيب أن ملحني المحور أوجدوا دائما ألحانا جديدة عالية المستوى رغم ذلك الكم الهائل من الألحان التي غنتها أم كلثوم خلال رحلة استمرت عشرات السنين شارك فيها كبار الملحنين

النص

  • بينما تطلق كلمة أغنية مجازا على أي نص غنائي بصرف النظر عن طريقة كتابته، هناك بالفعل قالب محدد بشكل خاص يسمى “أغنية” يحمل صفات معينة تميزه عن باقي أشكال الشعر الغنائي، وهو الأحدث في سلسلة قوالب الغناء العربي. قبل انتشار هذا القالب كان هناك الطقطوقة والموال والدور والموشح والقصيدة والمونولوج والديالوج. وتتشابه الأغنية مع الطقطوقة في أن لكل منهما “مذهب” يكرر بين مقاطع النص، وقد يكون من بحر مختلف عن بقية الأبيات. لكن المذهب في الأغنية يختلف بأنه ليس مدخل الأغنية وإنما يكرر في نهاية كل مقطع أو “كوبليه” ويتكون من بيت أو اثنين، مع بعض الحرية في تغيير المفردات أو المعنى. هذه التركيبة تتيح للملحن بناء اللحن بطريقة درامية مبنية على إمكانية العودة للحن مميز يختص به المذهب عند نهاية كل كوبليه وتختم به الأغنية، وبهذا يتم ربط أجزاء اللحن بتيمة مميزة
  • كتب نص “جددت حبك ليه” في قالب “الأغنية” الصريح، رغم طول المقطع التمهيدي، وبهذا اختلفت عما سبقها من أعمال أم كلثوم المكتوبة في قالب القصيدة أو المونولوج (وكلاهما بدون مقاطع مكررة)، أو الطقطوقة التقليدية، أو النصوص التي ظهرت تجمع بين قوالب مختلفة في مرحلة مبكرة لقالب الأغنية قبل استقراره بشكله الحديث
  • تتألف الأغنية من 24 بيتا مقسمة إلى 3 مقاطع “كوبليهات” يتخللها مذهب من 3 أبيات أخرى

ملامح موسيقية

أبدع رياض السنباطي في هذه الأغنية باقة موسيقية من أجمل وأرق ما قدم من موسيقى، وتتألف من المقدمة وثلاثة فواصل مميزة تنضم إلى مجموعة الموسيقات المميزة التي تميزت بها ألحان رياض السنباطي واشتهرت بها أغنيات أم كلثوم، وبدت للموسيقى هنا ملامح تؤكد أن رياض ليس ملحنا فقط

* الحداثة

  • جمل لحنية جديدة
  • إيقاعات متباينة
  • الحوار الموسيقي بين الجمل والفقرات الموسيقية
  • بنية درامية

* الشرقية :

  • إظهار آلة القانون الشرقية في الحوار الموسيقي كآلة أساسية
  • المقامات الشرقية الأصيلة مثل النهاوند والنوا أثر والراست والسوزناك والبياتي
  • الإيقاعات الشرقية مثل الملفوف والوحدة الكبيرة

* التعبير:

  • التعبير العام عن النص

– جمل رقيقة مشحونة بالعاطفة

– تنوع الإيقاع بين السريع والمتأني

– استخدام التراكيب المتناغمة في بناء درامي واضح المعالم

  • التمهيد للغناء بمدخل موسيقي مناسب لكل مقطع غنائي ينقل المستمع إلى جو جديد كلما اختلفت مواقف النص ومعانيه

1. المقدمة

اجتمعت لهذه المقدمة عناصر تجعلها مناسبة لتكون مقطوعة موسيقية مستقلة

  • الزمن الكلي نحو 4 دقائق، وهذا في أعمال كثيرة أخرى يزيد عن زمن أغنية كاملة
  • تتألف المقدمة من عدة فقرات

– تمهيد حر للأوركسترا يضم حوارا بين آلة القانون والأوركسترا مقام نهاوند

– مقطع موقع في هيئة حوار بين القانون والأوركسترا مقام نهاوند

– حوار حر بين آلة الكمان والأوركسترا مقام أثر كورد

– مقطع جماعي موقع للأوركسترا يمازج بين مقامي النهاوند والنوا أثر

– مقطع ختامي للأوركسترا مقام نهاوند، وهو ختام مميز، بصرف النظر عن الأغنية التي قدمته، أصبح من علامات الموسيقى العربية

  • وضوح وسيطرة المقام الأساسي، النهاوند، على موسيقى المقدمة

2. الفاصل الأول

  • المقام راست سوزناك / راست
  • جمل سريعة متحركة على إيقاع سريع
  • حوار موسيقي بين الجمل
  • تمتعت الجمل الموسيقية بشخصية قوية متفردة

ظهر تأثير التيمة الأساسية لاحقا في استهلال مقطوعة “مبروك” الشهيرة للموسيقي أحمد فؤاد حسن بصيغة مختلفة قليلا بعدها ببضع سنوات

3. الفاصل الثاني

  • المقام الأساسي نكريز
  • جمل سريعة متحركة على إيقاع سريع
  • حوار موسيقي بين الجمل
  • جمل موسيقية مميزة
  • يختتم بجملة مقام نوا أثر تمهيدا للغناء من نفس المقام

4. الفاصل الثالث

  • المقام راست سوزناك
  • جمل هادئة على إيقاع متوسط
  • جمل موسيقية مميزة

الغنــاء

المقطع الأول

  • يبدأ المقطع بغناء الغناء تمهيدي متأني “جددت حبك ليه” مقام نهاوند على إيقاع رباعي لبيتين، ينسجم مع المقطع الختامي للمقدمة الموسيقية الذي يعاد كفاصل موسيقي مميز
  • في البيت الثالث “دا الهجر وانت قريب” يستكمل الغناء من نفس المقام بينما يتحول إلى مقام نوا أثر في البيت الرابع “لكن بعادك”
  • في البيت الخامس “يا هل ترى” يتحول الغناء إلى مقام بياتي النوا ويستمر كذلك لبيتين
  • فاصل موسيقي مميز يمزج بين راست السوزناك والراست على إيقاع رباعي
  • في البيت السابع “دا انا لو نسيت” يتحول الغناء إلى مقام الفاصل الموسيقي لثلاثة أبيات مع ختام غنائي مميز
  • إعادة فاصل السوزناك
  • في البيت العاشر “صعبان عليّ” غناء حر متأني يعود بالمقام إلى النهاوند ويمهد للدخول في “تصوير الحالة”
  • فاصل نهاوند حر قصير يساهم في تصوير الحالة ينتهي بمقام أثر كورد
  • غناء حر في البيت الحادي عشر “وافكرك” مقام أثر كورد وعودة للراست وبياتي النوا في الشطرة الثانية تمهيدا للدخول في المذهب

المذهب

  • يلاحظ قصر البيت وتخفيف التفعيلة في أبيات المذهب، وبالتالي اختلاف لحنه عما سبق من غناء
  • يتكون المذهب من جزءين، بيت وشطرة يليهما بيت وشطرة، البيتان بقافية واحدة والشطرتان بقافية أخرى
  • الغناء هنا طرب مميز “إنت النعيم والهنا” على إيقاع متوسط يبدأ في مقام بياتي النوا ويتحول في آخر شطرة إلى مقام راست سوزناك الذي يختم به المذهب “حبك شباب”

المقطع الثاني

  • يمهد للمقطع الثاني فاصل موسيقي جديد يجمع بين مقامات النكريز والنهاوند والنوا أثر على إيقاع ثنائي سريع
  • يبدأ المقطع بغناء انسيابي منطلق “إنت اللى فات بنعيمه” من مقام نوا أثر على إيقاع رباعي متوسط
  • في البيت التالي “أسهر معاه الليل” يتحول الغناء لمقام النكريز مع العودة للنوا أثر تمهيدا لإعادة لحن البيت السابق على كلمات البيت الثالث
  • البيت الثالث “وانت اللى فات بضناه” بنفس لحن البيت الثاني لتشابه الصياغة
  • في البيت الرابع “إن مر ع الخاطر” تنتهي الحالة الانسيابية وتظهر تفاعيل الإيقاع الرباعي مع تحول المقام إلى الراست
  • عودة للغناء الحر في البيت الخامس “يا اللى قضيت العمر معاك” مقام سوزناك، يختم بعودة الإيقاع في آخر البيت والتحول إلى بياتي النوا مع آخر حرفين تمهيدا للعودة للمذهب

المقطع الثالث

  • فاصل موسيقي جديد مقام راست سوزناك على إيقاع رباعي هادئ يمهد للمقطع الثالث والدخول في تصوير الحالة
  • يسيطر مقام راست سوزناك على غناء المقطع كله مع تركيز الحالة السمعية والوجدانية
  • يبدأ الغناء من نفس مقام الموسيقى على إيقاع رباعي متوسط لثلاثة أبيات “يا اللي هواك في الفؤاد”
  • يختم البيت الثالث بقفلة مميزة في نفس المقام “وانت حبيب الأجل”
  • إعادة للفاصل الموسيقي
  • يستمر الغناء من نفس المقام لخمسة أبيات أخرى “وازاي أقول لك كنا زمان”
  • يتحول الغناء إلى بياتي النوا مع الشطرة الثانية من آخر بيت في المقطع “يا اللي بحبك زي زمان” تمهيدا للعودة للمذهب “إنت النعيم والهنا”

الختــام

تختتم الأغنية بغناء المذهب الذي يبدأ في مقام بياتي النوا وينتهي بمقام راست سوزناك، عرض وتحليل د.أسامة عفيفي، كلاسيكيات أم كلثوم / السنباطي، جددت حبك ليه

جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح

حرام عليك خليه غافل عن اللي راح

دا الهجر وانت قريب مني كان فيه أمل لوصالك يوم

لكن بعادك دا عني خلا الفؤاد منك محروم

يا هل ترى قلبك مشتاق يحس لوعة قلبي عليك

ويشعلل النار والأشواق اللي طفيتها انت بإديك

دا انا لو نسيت اللي كان وهان عليّ الهوان

اقدر أجيب العمر منين وارجع العهد الماضي

أيام ما كنا احنا الاتنين إنت ظالمني وانا راضي

صعبان عليّ اقول لك كان والحب زي ما كان وأكتر

وافكرك بليالي زمان واوصف فى جنتها واصور

إنت النعيم والهنا وانت العذاب والضنا

والعمر إيه غير دول

إن فات على حبنا سنة وراها سنة

حبك شباب على طول

إنت اللى فات بنعيمه وراح وفات لي طيفه في خيالي

أسهر معاه الليل سواح عايش على العهد الخالي

وانت اللى فات بضناه وشقاه وساب لي ناره في ضلوعي

إن مر ع الخاطر ذكراه تنزل من الوجد دموعي

يا اللى قضيت العمر معاك أرضى جفاك واتمنى رضاك

إنت النعيم والهنا وانت العذاب والضنا

والعمر إيه غير دول

إن فات على حبنا سنة وراها سنة

حبك شباب على طول

يا اللي هواك في الفؤاد عايش في ظل الوداد

إنت الخيال والروح وانت سمير الأمل

ييجي الزمان ويروح وانت حبيب الأجل

وازاي أقول لك كنا زمان والماضي كان في الغيب بكرة

واللي احنا فيه دلوقت كمان ح يفوت علينا ولا ندرى

ولما اكون وياك هايم في بحر هواك

ما اعرفش إيه فات من عمري إن كان رضا أو كان حرمان

وافضل وبس إنت ف فكري يا اللي بحبك زي زمان

إنت النعيم والهنا وانت العذاب والضنا

والعمر إيه غير دول

إن فات على حبنا سنة وراها سنة

حبك شباب على طول

 

أم كلثوم – ثورة الشك

ثورة الشك – غناء أم كلثوم – مقام حجازكار كورد 1960

كلمات عبد الله الفيصل – الحان رياض السنباطي

نقد وتحرير د.أسامة عفيفي

بدايةً .. هذه الكلمات تعبر عن موقف درامي مؤلم أكثر مما يمكن أن تحمله من الشاعرية والتعبير عن مشاعر الحب والعاطفة التي يود الناس سماعها وترديدها ومعايشة صورها. القصد أن موقفا كموقف “الشك” يمكن أن يعبر عنه بصورة أفضل إذا جاء في مشهد من رواية درامية وليس في أغنية مستقلة

فالحديث الصريح عن الشك والخيانة بمفرداتها الصادمة ليس من سمات الأعمال الغنائية، لكنه مقبول وجائز تماما في المسرحيات الشعرية التي قد تتضمن مواقف أخرى في أحداثها تجعل هذا الموقف أحد المشاهد وليس كل المشهد.

بهذا التصور سيختلف اللحن المسرحي تماما عن اللحن التقليدي الذي سارت عليه هذه القصيدة، وسيكشف اللحن المسرحي كيف يعجز اللحن الطربي التقليدي عن التعبير عن مثل هذه المواقف الدرامية

وليس هذا وجه العجز الوحيد، فهذا الاتجاه يعكس اقتصار الموسيقى العربية لسنوات طويلة على شكل واحد من أشكال الموسيقى والألحان هو “الأغنية” .. وتوارى الأوبريت والمسرح الغنائي الذي أجهزت عليه صناعة السينما والتي رغم احتكارها تقريبا صناعة الموسيقى قدمت معظم ألحانها كأغنيات فردية لنجوم الغناء

هناك مثال آخر للمواقف الصادمة في القصائد جاء في قصيدة كامل الشناوي “لا تكذبي” التي غناها كل من عبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة الصغيرة، وينطبق عليها نفس الكلام. فهي تقول

“لا تكذبي .. إني رأيتكما.. إني سمعتكما.. عيناك فى عينيه.. فى شفتيه.. فى كفيه.. فى قدميه .. يداك ضارعتان.. ترتعشان من لهف عليه

تتحديان الشوق بالقبلات تلذعني بسوط من لهيب .. بالهمس، بالآهات، بالنظرات، باللفتات، بالصمت الرهيب”

وأيضا في قصيدة “حبيبها” لنفس الشاعر “كامل الشناوي” التي غناها عبد الحليم من ألحان محمد الموجي يقول

“حبيبها لست وحدك حبيبها .. أنا قبلك .. وربما جئت بعدك .. وربما كنت مثلك فلم تزل تلقاني .. وتستبيح خداعي”

النتيجة في هذه الأحوال أن المحتوى الفني يجد قبوله لدى الجماهير من زاوية لحنية بحتة بحيث يتسيد اللحن الموقف. والملحن في هذه الأحوال يلجأ إلى استخدام الموسيقى والطرب على حساب التعبير، بمعنى أن اللحن سيحتفظ بجماله حتى لو أبدلنا كلمات القصيدة بكلمات أخرى مغايرة، وسيجد نفس الإقبال من الجمهور دون فرق يذكر..

وهذه هي الطريقة القديمة في تلحين القصائد والتلحين عموما، والتي جاوزها الزمن بالتطور بدءا من أوائل القرن العشرين حين أصبحت المدرسة التعبيرية الحديثة هي الطريق والمعيار والهدف على يد الفنان الخالد سيد درويش الذي غذى المسرح الغنائي بكافة ألوان التعبير وسار على طريقه من جاء بعده بمن فيهم السنباطي

أهو خطأ في الاختيار؟ نعم بالتأكيد ما دام القصد تقديم أغنية تقليدية مفردة لمطرب فرد، وليس كجزء من عمل درامي كبير، ويتأكد هذا إذا علمنا أن هذه الأشعار قد تم اختيارها بالفعل من جانب المطربة أو المطربة وليس من جانب الملحن

لهذه الأسباب تفشل هذه الأعمال في الصمود أمام اختبار الزمن في ذاكرة الجماهير، رغم تلقيها دعما وإلحاحا إعلاميا كبيرا، ولا يتبقى منها سوى بعض جمل موسيقية .. وحتى هذه قد لا تعيش إلا في ذاكرة الموسيقيين بمعزل عن الجمهور

إلى هنا لم نتحدث عن تفاصيل موسيقية كالمعتاد، لكن هناك عدة نقاط لافتة للانتباه

1. فقرة موسيقية تصاحب البيت قبل الأخير “تعذب في لهيب الشك روحي” من مقام العجم المصور، تكاد تكون نسخة من موسيقى لحن عبد الوهاب “كان أجمل يوم”، وكلاهما مأخوذ من مقطوعة كلاسيكية شهيرة بعنوان celebrated minuet للموسيقار الإيطالي لويجي بوكيريني

2. ربما حاول السنباطي تدارك الأمر قرب نهاية اللحن فعمد إلى وضع لحن شبه درامي يعبر عن “ثورة الشك”، بعد ألمه وحسرته، فجاء لحن البيت الأخير “أجبني إذ سألتك هل صحيح حديث الناس خنت.. ألم تخني؟” معبرا، أخيرا، عن الموقف الدرامي الحزين، وأتبعه بلحن ثائر متصاعد على نفس كلمات البيت الأول “أكاد أشك في نفسي ..”، لكنه في النهاية يختم بالطرب مرة أخرى

3. أن الجمهور يظهر تجاوبه مع غناء أم كلثوم في مقاطع الطرب، بينما يصمت تماما في المقطع التعبيري الوحيد في البيت الأخير. وهذا ما يؤكد أن الطرب كان هدف العمل والجمهور معا، كما يؤكد أن التعبير كهدف ووسيلة، لا يبحث عن التصفيق والصفير وآهات الإعجاب وإنما يهتم بتوصيل الإحساس والمعنى بالدرجة الأولى. عرض ونقد د.أسامة عفيفي، كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي، ثورة الشك

أكاد أشك في نفسي أكاد أشك فيك وأنت مني

يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني

وأنت مناي أجمعها مشت بي إليك خطى الشباب المطمئن

يكذب فيك كل الناس قلبي وتسمع فيك كل الناس أذني

وكم طافت علي ظلال شك أقضت مضجعي واستعبدتني

كأني طاف بي ركب الليالي يحدث عنك في الدنيا وعني

على أني أغالط فيك سمعي وتبصر فيك غير الشك عيني

وما أنا بالمصدق فيك قولا ولكني شقيت بحسن ظني

وبي مما يساورني كثير من الشجن المؤرق لاتدعني

تعذب في لهيب الشك روحي وتشقي بالظنون وبالتمني

أجبني إذ سألتك هل صحيح حديث الناس خنت.. ألم تخني؟

كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي

 

أم كلثوم – ثوار

ثـــوار – غناء أم كلثوم – مقام حجازكار 1961

كلمات صلاح جاهين – ألحان رياض السنباطي

تحليل موسيقي / د.أسامة عفيفي

تأملات في النص

لو لم يكتب صلاح جاهين غير هذه الأبيات في حياته لكانت كفيلة بخط اسمه بحروف مضيئة في تاريخ الأنشودة الوطنية. وهي في ظاهرها ليست سوى واحدة من عشرات الأغاني الوطنية التي امتلأت بها دواوينه، لكنها عرضت صورة شاعرية بالغة التعبير تميزت عن معظم ما كتب، وأشهره ما كان بصوت أم كلثوم وعبد الحليم

فهو صاحب النشيد الشهير “والله زمان يا سلاحي” والذي أصبح لحنه سلاما وطنيا لمصر عام 1956، وأغنية صورة صورة التي عادت بقوة للساحة في ثورة يناير 2011 بعد أكثر من 40 عاما من ظهورها، وكلاهما من ألحان كمال الطويل

تمزج الأنشودة الحاضر بالماضي والمستقبل وتجعل من الأزمنة الثلاثة نسيجا واحدا ينسجه نفس الشعب في أجيال متعاقبة. وتنتقل الكلمات من حديث الزهو بالحاضر في أول الأبيات “مطرح ما نمشي يفتح النوار .. ننهض في كل صباح بحلم جديد” .. إلى الفخر بالماضي مع الأبيات “من أرضنا هل الإيمان والدين .. عيسى ومحمد ثورتين خالدين .. والعلم ثورة ومن هنا قامت .. والفن والحرية والتمدين” إلى الوصية لأبناء المستقبل “هبوا واصنعوا الأمجاد .. وابنوا فوق بنا الأجداد”

وصحيح أن هذه المعاني موجودة بكثرة في كتاباته وكتابات شعراء آخرين، لكن لنتأمل خطاب الشاعر للأجيال الجديدة في الأبيات “تعالوا يا أجيال يا رمز الأمل .. من بعد جيلنا و احملوا ما حمل، وافتكروا فينا واذكرونا بخير .. مع كل غنوة من أغانى العمل” وهنا بيت القصيد

خطاب عابر للزمن يخبرنا كيف كانت عين الشاعر على المستقبل أكثر من الحاضر .. وها نحن نذكرهم وقد رحلوا عن الدنيا ولم يبق لنا منهم غير أضواء تبث الأمل في أجيال أخرى. نعم رحلت أم كلثوم وصلاح جاهين والسنباطي ومئات غيرهم من حملة المشاعل في ذلك الجيل .. بل رحل الجيل كله وسلم الراية إلى من جاء بعده .. وها نحن نردد كما رددوا فنذكرهم ونبني على آمالهم ونحمل الراية إلى من يأتي بعدنا، ونخاطبهم بنفس الخطاب .. “افتكروا فينا واذكرونا بخير”..

اللحن

يبدا اللحن بمقدمة موسيقية مبتكرة الإيقاع واللحن من مقام الحجازكار كأنها تصور حركة فصائل الفرسان، يليها هتاف الكورس المميز “ثوار” من نفس المقام تصحبه موسيقى إيقاعية مميزة للوتريات

هناك شحنة عاطفية هائلة في لحن “ثوار” بدءا من استعمال المقام الموسيقي الشرقي “الحجازكار” إلى صياغة اللحن بطريقة تعانق مضمون الكلمات وتنفذ إلى وجدان المستمع. وهذه الشحنة العاطفية كما ذكرنا من قبل هي إحدى السمات الأصيلة لقالب الأنشودة

يرتكز اللحن تماما على المقام الأساسي لكنه يستخدم الصيغة الأخف وهي مقام الحجاز المصور في المقاطع الغنائية مع استعمال جنس الراست العلوي في بعض الأجزاء كما في النداء “هيلا هيلا”

ويأتي استخدام الغناء الجماعي معبرا عن الجو العام للنص في المذهب المكرر ثم يتم تخصيصه وتغيير الإيقاع مع النداء والدعوة للعمل ..

هذا التحول يذكرنا بتغير المقام والإيقاع في المقطع الأخير من لحن الصنايعية الشهير لسيد درويش “الحلوة دي” مع تغير النص إلى معنى مشابه “الشمس طلعت والملك لله .. ما تشيل قادومك والعدة ويالله” وهو ما يمنح اللحن بعدا تعبيريا يجاري تغير المعنى

تكرر الارتكاز على الدرجة الرابعة لمقام الحجازكار في سياق الغناء، وهذا يعني الغناء في مقام النهاوند المصور “فا مينير”، ولا عجب إذ أنه أصل كل المقامات المستخدمة في اللحن. وبعبارة أخرى عند تدوين اللحن يكون مفتاحه الأساسي فا مينير رغم تعدد تلك المقامات، وتكتب جميع التحولات للمقامات الفرعية عرضا بجانب كل نوتة

وتمتاز أنشودة ثوار بلحن سلس لكنه مطرب للغاية ويمكن للجمهور ترديده، كما تأتي الصيحة الشهيرة “ثوار”، العائدة على الشعب، معبرة بصدق عن المجموع وليس عن نداء فردي

من الناحية الفنية تجدر الإشارة إلى أن الملحن قد تصرف بطريقته في النص، فهو لم يتقيد بنسق الأبيات وإنما عمد إلى فصل الشطرة الأولى من المدخل واكتفي بها كمذهب مكرر، بينما قام بترحيل الشطرة الثانية ليضمها إلى الكوبليه الأول رغم عدم اتساق القافية. ففي النص المكتوب تأتي الشطرتان “ثوار ثوار ولآخر مدى ثوار .. مطرح ما نمشي يفتح النوار” كبيت واحد، ويأتي البيت الثاني بقافية مغايرة ” ننهض في كل صباح بحلم جديد .. ثوار نعيدك يا انتصار ونزيد”، ولا يجوز نصا اقتطاع شطرة بقافية معينة لإضافتها إلى أبيات أخرى بقافية مختلفة

وهذا التصرف من قبل الملحن يكسر القوافي بالطبع لكنه لا يفصل المعنى، بل بالعكس فإن معنى الشطرة “مطرح ما نمشي يفتح النوار” متسقة تماما في المعنى مع أول شطرة في المقطع التالي “ننهض في كل صباح بحلم جديد”، وبعيدة نسبيا عن معنى “ثوار ثوار” وبهذا فضل الملحن القيمة التعبيرية على القيمة الشكلية، ووضع كل معنى في إطاره الخاص

هذه المشكلة لن تظهر في بقية اللحن لأنه صنع من أول شطرة مذهبا متكاملا يمكن استعادته بين المقاطع الغنائية، ساعده في ذلك أن الشطرة نفسها قابلة للقسمة المتوازنة، فهي تضم مقطعين صغيرين كل منهما ينتهي بنفس القافية “ثوار ثوار .. ولآخر مدى ثوار”

هناك “مذهب” آخر يظهر في غناء أم كلثوم للبيت “وطول ما إيد شعب العرب في الإيد .. الثورة قايمة والكفاح دوار” يكرر بين المقاطع، ولأن قافيته تتماشى مع المذهب الذي اختاره الملحن للكورس جاء تتابع المذهبين منسجما تماما مع بناء النص، كما جاء ختام لحن مذهب أم كلثوم من مقام الحجازكار تمهيدا لضمه لغناء الكورس من نفس المقام، وأضاف إلى هذا الانسجام انطباق كلمة “دوار” على الدراما اللحنية، فقد كون غناء الكورس لحنا دوارا يشعر المستمع أنه يجب إعادته كلما تم

في آخر اللحن يزداد المقطع الختامي قوة بإنهاء أم كلثوم غناءه في قمة السلم بدلا من قاعدته، ثم ينضم صوتها إلى الكورس في أداء صيحة “ثوار ثوار” ويتم تأكيد خاصية الدوران بتكرار الختام في نهاية الأنشودة، وهو ما يترك انطباعا لدى المستمع بأن الصيحة مستمرة، وحسب النص .. لآخر مدى

وتعد “ثــوار” إجمالا من أفضل ما أنشد في قالب الأنشودة، كلمة ولحنا وأداء، نقد وتحليل د.أسامة عفيفي، أنشودة ثوار، كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي

ثوار ثوار ولاخر مدى ثوار مطرح ما نمشي يفتح النوار

ننهض في كل صباح بحلم جديد ثوار نعيدك يا انتصار ونزيد

وطول ما إيد شعب العرب في الإيد الثورة قايمة والكفاح دوار

من أرضنا هل الإيمان والدين عيسى ومحمد ثورتين خالدين

والعلم ثورة ومن هنا قامت والفن والحرية والتمدين

ثوار نهزك يا تاريخ تنطلق نحكم عليك يا مستحيل تنخلق

نأمر رحابك يا فضا تمتلئ والخطوة منا تسبق المواعيد

وطول ما إيد شعب العرب في الإيد الثورة قايمة والكفاح دوار

ثوار ثوار ولآخر مدى ثوار

الشعب قام يسأل على حقوقه والثورة زي النبض في عروقه

اللي النهارده يحققه ويرضاه لابد بكرة بهمته يفوقه

ثوار مع البطل اللي جابه القدر رفعنا راسنا لفوق لما ظهر

بوسنا السما وياه ودوسنا الخطر والعزم ثابت و العزيمة حديد

وطول ما إيد شعب العرب في الإيد الثورة قايمة والكفاح دوار

ثوار ثوار ولآخر مدى ثوار

تعالوا يا أجيال يا رمز الأمل من بعد جيلنا و احملوا ما حمل

وافتكروا فينا واذكرونا بخير مع كل غنوة من أغانى العمل

هيلا هيلا هيلا هيلا ثورتنا عمل و جهاد

هيلا هيلا هيلا هيلا هبوا واصنعوا الأمجاد

وابنوا فوق بنا الأجداد أول طريقنا بعيد وآخره بعيد

وطول ما إيد شعب العرب في الإيد الثورة قايمة والكفاح دوار

ثوار ثوار ولاخر مدى ثوار

 

أم كلثوم – بغداد

بغـــداد – غناء أم كلثوم – مقام كورد 1958

كلمات محمود حسن اسماعيل – ألحان رياض السنباطي

تحليل موسيقي / د.أسامة عفيفي

ملامح عامة

* قدمت أم كلثوم هذه القصيدة لتأييد ثورة العراق عام 1958 ضد الحكم الملكي الداعي إلى إقامة حلف بغداد مع الاستعمار البريطاني والذي رفضته الشعوب العربية

* ليست هذه هي الأغنية الوحيدة التي قدمت بهذه المناسبة، وإنما كانت أكثرها تميزا ورقيا. ويعود ذلك إلى القيمة العالية في شعر الفصحى الذي استمت منه تلك الروح وحفظ لها مكانة متفوقة بين الأعمال المشابهة. وبالطبع امتد تأثير اللغة والأسلوب إلى اللحن والأداء ثم الجمهور

* ليست بحسب الرواية التي حكاها الإذاعي وجدي الحكيم فإن مبادرة التأييد كانت صادرة أصلا من القيادة السياسية المصرية في صورة بيان شعبي تلقيه أم كلثوم عبر الإذاعة، لكن أم كلثوم أبدلت البيان بعمل غنائي طلبت أن يكتبه الشاعر محمود حسن إسماعيل ويقوم بتلحينه رياض السنباطي. وبحسب نفس الرواية فإن السنباطي قد وضع اللحن ولم يكن في ذهنه أم كلثوم حيث كانا على خلاف في ذلك الوقت

* على هذا تكون الأغنية قد صنعت خصيصا لمناسبة سياسية، ولو لم يصدر بها تكليف رسمي، فهل انعكس ذلك على صناعة الكلمة واللحن وهما جناحا العمل الإبداعي؟

  • في النص وردت كلمة “البعث” مرتين في ” للنور للبعث للأمام” و”مواكب البعث والصعود” فهل كانت هذه إشارة ضمنية إلى حزب البعث؟ الواقع أن هذا وحده كفيل بمسح الأغنية من سجل الإذاعات العربية في حال خلافها مع حزب البعث، ومن إذاعة بغداد نفسها إذا تغير الحكم وتولى حزب آخر قياد البلاد. على أي حال اتخذت إذاعة بغداد هذه الأنشودة شعارا لها لعدة سنوات
  • في النص أيضا ما يوحي بالاستعجال في بعض التعبيرات مثل “سمعت .. توهج النار”، وكان الأولى أن يقال “رأيت .. توهج النار”، فالتوهج يرى ولا يسمع. كذلك تبدو كلمة “دوّخوا الليالي” دارجة وخارج سياق الفصحى، كما تكرر التعبير “من جديد” ثلاث مرات في ثلاثة مقاطع
  • يبدو اللحن وقد غلبت الصنعة فيه على التلقائية والإبداع، وتبدو بعض أجزائه كأنها صنعت على عجل، وباستخدام تيمات تقليدية تصلح ربما لأي لحن، وهكذا فقد العمل جزءا كبيرا مما يمنحه العمق الحقيقي .. التعبير والإحساس
  • لكن هذا لم يمنع من تمتع اللحن بقيمة عالية وغاية في الثراء من خلال مقطع مميز هو غناء الكورس الذي تفوق على المقاطع الغنائية التي تؤديها أم كلثوم، وهو في الحقيقة عنوان الأنشودة كلها ومصدر تميزها، وهو بالفعل يمتاز بإحساس عال وعاطفة فياضة، ولو أن الشكل والأسلوب قد تمت صياغته بناء على نموذج غير عربي كما سنوضح لاحقا

القالب : الأنشودة

يتميز قالب الأنشودة بعدة سمات

  • لحنه العاطفي رغم جدة موضوعه
  • قد يضم الغناء الجماعي في جزء منه
  • لا يشترط في نصه الفصحى أو العامية

تختلف الأنشودة عن القصيدة بكونها تمثل موضوعا وموقفا مجتمعيا غير شخصي، وتختلف عن النشيد بعدم تقيد اللحن بصيغة المارش

نرى أمثلة للأنشودة في نماذج قدمها أكثر من فنان منها

* سيد درويش: أنا المصري، دقت طبول الحرب، اليوم يومك يا جنود، الجهادية

* محمد عبد الوهاب: القمــح، هتف الداعي (نشيد الجهاد)، فلسطين، دعاء الشرق

* أم كلثوم: مصر تتحدث عن نفسها، مصر التي في خاطري، مثال الوطنية، محلاك يا مصري، ثـــوار، طوف وشوف، حبنا الكبير

* فيروز: زهرة المدائن، مصر عادت شمسك الذهب

* عبد الحليم: حكاية شعب، بلدي يا بلدي، بالأحضان، صورة

الموسيقى والغناء

1. المقامات: شاهناز كورد / كورد / راست النوا / فرحفزا / شاهناز

2. المقدمة

  • مقام شاهناز كورد
  • إيقاع ثنائي سريع
  • إيقاع منغم مصاحب
  • تتألف المقدمة من 3 حركات: موسيقى للأوركسترا، آهات للكورس، ونداء للكورس بغداد
  • أفكار مستوحاة من موسيقات أخرى

قبل أن نترك المقدمة الموسيقية إلى الغناء تجدر الإشارة إلى بعض الأفكار المستوحاة من خارج الموسيقى العربية في هذه المقدمة

  • استهلال الموسيقى مستوحى من لحن “رقصة السيوف” للموسيقار الأرميني “آرام خاتشادوريان” المؤلفة عام 1942
  • فكرة وأسلوب آهات المقدمة مستوحاة من اللحن الروسي الشهير “بوليوشكو بوليي” أو “فرسان الجيش الأحمر” المؤلف عام 1933 والذي استخدم كمارش للجيش الروسي فيما بعد، وبنى عليه الأخوان رحباني لحن فيروز “كانوا يا حبيبي” في السبعينات
  • هناك تواصل فكري واضح بين موضوع الأنشودة والخلفية الموضوعية والتاريخية لمقطوعتي الموسيقى الروسية
  • هذه فقط إشارة إلى أن رياض السنباطي كان مطلعا على الموسيقى العالمية ولم يكن ذلك دون أن يتأثر بها
  • هناك انفصال تام بين اللحن الغنائي التقليدي في بقية الأنشودة وبين هذه الموسيقى ذات الإيحاء القوي بحدث عظيم
  • على أي حال كان اختيار نموذج المارش الروسي الذي وضعه الموسيقار “ليف كنيـبر” مناسبا لاحتوائه على قيمة جمالية ومعنوية عالية وجدت صدى لها لدى شعوب كثيرة، وكذلك لتقارب أنغام الشرق العربي مع أنغام الشرق غير العربي

3. المقطع الأول

  • البيت الأول يؤديه الكورس من مقام الكورد يبدأ بالنداء “بغداد” وينتهي مع الشطرة “يا جبهة الشمس للوجود” التي تعاد بلحنها وأدائها في نهاية كل مقطع غنائي كجزء من المذهب
  • إعادة للمقدمة الموسيقية كفاصل موسيقي
  • إعادة لآهات الكورس
  • غناء مباشر لأم كلثوم من مقام راست النوا في تحول مفاجئ مع “سمعت في فجرك الوليد”
  • لحن مختلف للبيت الأول من مقام راست النوا مع الكلمات” “بغداد يا قلعة الأسود” بصوت أم كلثوم يستخدم أيضا كجزء من المذهب
  • تعاد الشطرة “يا جبهة الشمس للوجود” من الكورس كما هي
  • نداء الكورس “بغداد”
  • موسيقى المقدمة
  • آهات الكورس
  • تشكل العناصر الخمسة الأخيرة وبهذا الترتيب وحدة واحدة تكرر فيما تستخدم كمذهب تتم العودة إليه بين المقاطع

4. المذهب

مذهب هذه الأنشودة كله من صنع الملحن حيث أن القصائد لا تحتوي على تكرار. وهو مذهب مركب يضم كلمات مغناة وموسيقى بحتة وآهات للكورس. وهو مأخوذ كله من أبيات المقطع الأول ويتكون من خمسة عناصر

  • البيت الأول في لحن راست النوا كما تغنيه أم كلثوم “بغداد يا قلعة الأسود”
  • الشطرة الثالثة الختامية من المدخل مقام كورد كما يؤديه الكورس “يا جبهة الشمس للوجود”
  • نداء الكورس “بغداد”
  • موسيقى المقدمة
  • آهات الكورس

5. المقطع الثاني

  • غناء كورد مصحوب بردود قصيرة للكورس “زأرت في حالك الظلام”
  • تحول إلى راست النوا مع “ومجدك الخالد التليد”
  • عودة للمذهب

6. المقطع الثالث

  • غناء فرحفزا “يا عربا دوخوا الليالي”
  • تحول إلى راست النوا مع “مواكب البعث والصعود”
  • عودة للمذهب

7. المقطع الرابع

  • الفاصل بأكمله بدون إيقاع
  • فاصل موسيقي حر مقام شاهناز
  • غناء حر من نفس المقام “قد آذن الله”
  • غناء حر مع تحول المقام إلى الفرحفزا في “ويرحل الليل عن سماه” حتى آخر المقطع
  • عودة للمذهب

8. الأداء

  • أداء مميز للكورس، زاد من بهائه استعمال صدى الصوت في النداء “بغداد”
  • أداء مميز لأم كلثوم، وتكفي الإشارة إلى نطقها الخاص لكلمة “الخلود” ففي آخر حرف بالذات تطلق شحنة صوتية موحية بقدر الكلمة وعمقها التاريخي وتسلم بها الغناء للكورس بمنتهى الدقة، كما تحافظ على نفس الأداء الرائع عند إعادتها ليستدعي نفس الشعور في كل مرة. عرض وتحليل د.أسامة عفيفي، كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي، بغـــداد

بغـــداد يا قلعة الأسود يا كعبة المجد والخلود

يا جبهة الشمس للوجود

سمعت في فجرك الوليد توهج النار في القيود

وبيرق النصر من جديد يعود في ساحة الرشيد

زأرت في حالك الظلام وقمت مشدودة الزمام

للنور للبعث للأمام

لبأسك الظافر العتيد ومجدك الخالد التليد

عصفت بالنار الحديد وعدت للنور من جديد

يا عربا دوخوا الليالي وحطموا صخرة المحال

ضموا علي شعلة النضال

مواكب البعث والصعود لقمة النصر في الوجود

عودوا لأيامكم وعودي كالفجر في زحفك المديد

قد آذن الله في علاه أن يصفو الشرق من كراه

ويرحل الليل عن سماه

وتسطع الشمس من جديد من أمسنا الساهر البعيد

 

أم كلثوم – الحب كده

الحب كده – غناء أم كلثوم – مقام بياتي 1959

كلمات بيرم التونسي – ألحان رياض السنباطي

نقد وتحرير د.أسامة عفيفي

يعود السنباطي إلى الخفة والدلال والشعبية أيضا في لحن الحب كده، ومع كلمات بيرم التي تظهر صورا متباينة من أحوال العشاق التي لا تثبت على حال وتأتي بحكمة بالغة بين أبياتها تجعلنا نتقبل الواقع ونتعايش معه بدلا من رفضه على الإطلاق أو مخاصمته للأبد، وهو يستمد هذه الحكمة من واقع أكبر ترتكز عليه الحياة كلها، ليس فقط في العلاقات العاطفية

ويضرب الشاعر أمثلته مباشرة من الطبيعة المتقاطبة دائما، فهناك الليل والنور والغيم والربيع والزهور، وهكذا الحب فيه الوصال والدلال والرضا والخصام، وفيه الضحك والبكاء والسعادة والشقاء، كما فيه الظلم والسماح والجرح والدواء

جاء لحن “الحب كده” مستمدا أنغامه أيضا من أرضية واقعية تماما بدءا من اختيار مقام “البياتي” الشعبي الأصيل الذي يوحي بالطبيعة المستقرة في شعور المستمع العربي، إلى الصياغة اللحنية الشرقية الأصيلة دون تغريب أو تجريب، مع المحافظة على البساطة والبعد عن التراكيب المعقدة، ولا يخرج سياق اللحن كثيرا عن المقام الأساسي ويستخدم فقط المقامات القريبة من البياتي مثل وراست النوا

كما أن الموسيقى بين الفواصل لا تكاد تلحظ في هذه الأغنية فهي بين تكرار المقدمة وبين جمل تمهيدية أو فواصل قصيرة لا تصل إلى هيئة موسيقى مستقلة ذات بناء هندسي دقيق كما هو الحال في ألحان كثيرة أخرى للسنباطي. نقد وتحرير د.أسامة عفيفي، الحب كده، كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي

الحب كده وصال ودلال ورضا وخصام

اهو من ده وده الحب كده مش عايزه كلام

حبيبي لما يوعدني تبات الدنيا ضاحكالي

ولما وصله يسعدني ما افكر فى اللى يجرالي

ينسيني الوجود كله ولا يخطر على بالي

ولما طبعه يتغير وقلبي يبقى متحير

مع الافكار ابات فى نار وفي حيرة تبكيني

وبعد الليل يجينا النور وبعد الغيم ربيع وزهور

اهو من ده وده الحب كده مش عايزة كلام

الحب كده

حبيب قلبي يا قلبي عليه ولو حتى يخاصمني

ويعجبني خضوعي اليه واسامحه وهو ظالمني

وبعد الغيم ما يتبدد وبعد الشوق ما يتجدد

غلاوته فوق غلاوته تزيد ووصله يبقى عندي عيد

وبعد الليل يجينا النور وبعد الغيم ربيع وزهور

اهو من ده وده الحب كده مش عايزة كلام

الحب كده

يا سعده اللى عرف مرة حنان الحب وقساوته

ويا قلبه اللى طول عمره ما داق الحب وحلاوته

تشوفه يضحك وفي قلبه الأنين والنوح

عايش بلا روح وحيد والحب هو الروح

حبيب قلبي وقلبي معاه بحبه فى رضاه وجفاه

اوريه الملام بالعين وقلبي على الرضا ناوي

بيجرح قد ما يجرح ويعطف تاني ويداوي

اهو من ده وده الحب كده مش عايزة كلام

كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي

 

أم كلثوم – الأطلال

الأطـــلال – غناء أم كلثوم – مقام راحة أرواح 1966

شـعر د. ابراهيم ناجى – ألحان رياض السنباطي

القصيدة المغـناة يختلف نصها عن القصيدة التى وردت في ديوان ناجي بنفس الاسم ، وقد أضيف إليها مقطع من قصيدة أخرى لناجي وهو البادئ بالبيت هل رأى الحب سكارى مثلنا ، وبلغ التوفيق حده في هذا المزج إذ أن ذلك المقطع بلغ ذروة القصيدة بل إنها اشتهرت به. والشاعر الدكتور ابراهيم ناجي كان طبيبا بالفعل وعرف عنه إنسانيته البالغة في معاملته لمرضاه حتى أنه كان يعطي مرضاه من الفقراء نقودا بدلا من أن يتقاضى منهم أجرا

حلق رياض السنباطي في هذه القصيدة بالنغم في آفاق جديدة ، فرغم شرقيته المفرطة إلا أن اللحن بدا وكأنه يطرق نغمات جديدة على السمع ، فقد تخلص السنباطي من كثير من الجمل التقليدية وصاغ جملا بعيدة عن التوقع ، وقد وفق تماما في التعبير عن الموضوع نصا وكلمات بل وربما حروفا أيضا ، ويبلغ اللحن أقصى مداه فى التعبير فى تصوير الأبيات حسب موقفها الدرامى

ومن عجائب لحن الأطلال أنه لم يلق ذلك القبول الفائق الذي لقيه في أسماع الناس وقلوبها من أول مرة ، فقد جاءت الأطلال بعد موجة من ألحان عبد الوهاب لأم كلثوم وضع فيها كثيرا من الإبهار ، وتعـود الناس على هذا الأسلوب حتى جاء السنباطي فبهر الجميع ليس بالآلات الجديدة ولا الإيقاعات الجذابة وإنما بقوة التعبير الفائقة والتى احتاجت لبعض الوقت حتى يمكن للجمهور قراءة النص جيدا ، خاصة أنها قصيدة شعرية

غنت أم كلثوم الأطلال في إحدى حفلاتها بالقاهرة عام 1966، واختارت أن تغنيها بعد ذلك بعام على مسرح أولمبيا فى باريس عام 1967 وهنا قامت الدنيا ولم تقعد فقد استمع إليها مباشرة جمهور جديد ، وانبهر الناس بأدائها خاصة حين غنت أعطني حريتي أطلق يديا ، وأحدث أداؤها دويا هائلا جذب الناس إليها جذبا ، وتظل الأطلال حتى يومنا هذا نموذجا رائعا للموسيقى العربية الأصيلة

يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحا من خيال فهوى

اسقني واشرب على أطلاله وارو عني طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديثا من أحاديث الجوى

لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق

ويد تمتد نحوي كيد من خلال الموج مدت لغريق

وبريق يظمأ الساري له أين من عينيك ذياك البريق

يا حبيبا زرت يوما أيكه طائر الشوق أغني ألمى

لك إبطاء المذل المنعم وتجني القادر المحتكم

وحنيني لك يطوي أضلعي والثواني جمرات في دمي

أعطني حريتي أطلق يديا إنني أعطيت ما استبقيت شيا

آه من قيدك أدمى معصمي فلم أبقيه وما أبقى عليا

ما احتفاظي بعهود لم تصنها وإلام الأسر والدنيا لديا

أين من عيني حبيب ساحر فيه عز وجلال وحياء

واثق الخطوة يمشي ملكا ظالم الحسن شهي الكبرياء

عبق السحر كأنفاس الربى ساهم الطرف كأحلام المساء

أين مني مجلس أنت به فتنة تمت سناء وسنى

وأنا حب وقلب هائم وفراش حائر منك دنا

ومن الشوق رسول بيننا ونديم قدم الكأس لنا

هل رأى الحب سكارى مثلنا كم بنينا من خيال حولنا

ومشينا في طريق مقمر تثب الفرحة فيه قبلنا

وضحكنا ضحك طفلين معا وعدونا فسبقنا ظلنا

وانتبهنا بعد ما زال الرحيق وأفقنا ليت أنا لا نفيق

يقظة طاحت بأحلام الكرى وتولى الليل والليل صديق

وإذا النور نذير طالع وإذا الفجر مطل كالحريق

وإذا الدنيا كما نعرفها وإذا الأحباب كل في طريق

أيها الساهر تغفو تذكر العهد وتصحو

فإذا ما التأم جرح جد بالتذكار جــرح

فتعلم كيف تنسى وتعلم كيف تمحـــو

يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء

ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعد ما عز اللقاء

فإذا أنكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء

ومضى كل إلى غايته لا تقل شئنا فإن الحظ شاء

 

أم كلثوم – إلى عرفات الله

إلى عرفات الله – غناء أم كلثوم – مقام هزام 1955

كلمات أحمد شوقي – ألحان رياض السنباطي

نقد وتحرير د.أسامة عفيفي

تعود أم كلثوم لأشعار أحمد شوقي بعد سلسلة أغنيات لأحمد رامي بهذه القصيدة التي اشتهرت بتعبيرها عن مشاعر المسلمين في موسم الحج بعد أن اختلف غرضها وشكلها

لكن رامي لم يكن بعيدا، فقد كتبها شوقي عام 1910 بقصد الاعتذار للخديوي عباس حلمى عن قبول دعوته لمرافقته في أداء فريضة الحج، وقام أحمد رامي بحذف نحو 40 بيتا من القصيدة الأصلية المؤلفة من 63 بيتا، وتعديل بعض الأبيات لتجنب شخصنة الخطاب إلى الخديوي مثل مطلع القصيدة “إلى عرفات الله يا خير زائر” بدلا من “إلى عرفات الله يا ابن محمد”، و”إذا زرت بعد البيت قبر محمد” بدلا من “إذا زرت يا مولاي قبر محمد”، ثم حذفت أم كلثوم بضعة أبيات أخرى للحفاظ على المسحة الصوفية للقصيدة

الموسيقى واللحن

تمهد للأغنية مقدمة موسيقية تكرس مقام الهزام الشرقي الأصيل بإيقاع الشرق الشهير “المصمودي” وتسمع فيها دقات الطبول كأنها وقع القافلة العربية

ويقترب لحن “إلى عرفات الله” كثيرا من القصائد الدينية التي غنتها أم كلثوم من أشعار شوقي وتلحين رياض السنباطي قبلها بنحو عشر سنوات مثل نهج البردة. يظهر ذلك في استخدام المقام الأساسي، الهزام، والمقامات الشرقية الأخرى مثل البياتي والصبا، كما يخلو اللحن من المقامات غير العربية الخالصة مثل النهاوند والعجم

بالإضافة إلى شرقية النغمات نستمع أيضا إلى بعض التيمات الشعبية خاصة في مقام الصبا في الأبيات الوسطى مع بداية البيت “ويا رب هل تغني عن العبد حجة”. عرض وتحرير د.أسامة عفيفي، كلاسيكيات أم كلثوم – السنباطي، إلى عرفات الله

إلى عرفات الله ياخير زائر عليك ســـلام الله في عرفــات

ويوم تولي وجهة البيت ناظرا وسيم مجـال البشر والقسـمات

على كل أفق بالحجاز ملائك تزف تحــــايا الله والبــــركات

لدى الباب جبريل الأمين براحه رســائل رحمــانية النفحـــات

وفي الكعبة الغراء ركن مرحب بكعبـــة قصــاد وركن عفــــاة

وزمزم تجري بين عينيك أعينا من الكوثر المعسول منفجـرات

لك الدين يارب الحجيج جمعتهم لبيت طهور الساح والشـرفات

أرى الناس أفواجا ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشــتات

تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت لديك ولا الأقــدار مختــــلفات

ويارب هل تغني عن العبد حجة وفي العمر ما فيه من الغفوات

وتشهد ما آذيت نفسا ولم أضر ولم أبغ في جهري ولا خطراتي

ولا حملت نفس هوى لبلادها ك نفسي في فعلي وفي نفثاتي

وقدمت أعذاري وذلي وخشيتي وجئت بضعفي شافعا وشكاتي

وأنت ولي العفو فامح بناصع من الصفح ما سوّدتُ من صفحات

ومن تضحك الدنيا إليه فيغترر يمت كقتيــل الغيــد بالبســـمات

إذا زرت بعد البيت قبر محمــد وقبلت مثوى الأعظُم العطـرات

وفاضت من الدمع العيون مهابة لأحمــد بين الستر والحجرات

وأشــرق نور تحت كل ثنيــة وضاء أريــــــج تحت كل حصاة

فقل لرسول اللــه يا خير مرسل أبثـــك ما تدري من الحســرات

شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سـبات

بأيمانهم نوران ذكر وســنة فما بالـــهم في حالك الظلمـات

وقل ربي وفق للعظائم أمتي وزين لها الأفعــــال والعـزمــــات